الصحة بين الانضباط الشبه العسكري والتسيب الصحي العمومي
شؤون الإستثمار
نافذة على الأحداث الوطنية، يطلّ من خلالها المحلل السياسي والخبير في الاستثمار المجالي
✍️ سيدي محمد العايدي الإدريسي
حين يتعطّل القطاع العمومي المدني، يتحوّل العلاج إلى معركة. المريض لا يفاوض على الدواء فقط، بل على كرامته، محاصرًا بين شيكات ضمان ومعاملات غير رسمية ومساطر تُنهك أكثر مما تُداوي. هنا، تختفي صورة الدولة الراعية، لتحلّ محلها بيروقراطية ثقيلة ولوبيات تتغذى على ضعف الناس.
في المقابل، يقف القطاع الصحي الشبه العسكري شاهقًا بانضباطه. لا ضمانات ولا ابتزاز، فقط رعاية مبنية على الإحساس بالواجب.
الطبيب العسكري يؤدي رسالته كما يؤدي الجندي مهمته في الميدان: بجدية، إخلاص، وإيمان بأن حياة المواطن ليست مجالًا للمساومة. المستشفيات العسكرية التي أرساها الملك الراحل الحسن الثاني بقيت نموذجًا في الانضباط والحكامة والمهنية العالية، وجسدت المعنى الحقيقي للثقة في المؤسسات.
لكن، أين الخلل إذن؟
الجواب في السياسة: تسييس القطاع، لوبيات تغتني على حساب الدولة الاجتماعية، نقابات مغلوبة على أمرها، وتدبير فاسد ينهك الثقة في الصحة العمومية. لقد عرف القطاع وزراء جيدين، لكنهم لم يستطيعوا تحطيم جدار اللوبي المتغلغل، تمامًا كما هو الشأن في قطاع التعليم.
المروءة الحقيقية ليست في كثرة الكلام والظهور، بل في الجرأة على تحمّل المسؤولية أمام الملك وأمام الشعب. فالمسؤولية تكليف لا تشريف، وإصلاح الصحة أمانة لا يمكن العبث بها.
المروءة هي الاستقالة.
المروءة لحظة صدق يقرّ فيها المسؤول أن الأمانة أثقل من قدرته… فيضعها حيث تجد من يحملها.