القتل بدم بارد في عرض البحر

عبد الهادي مزراري / شؤون الاستثمار

قتل حرس السواحل الجزائريون سائحين مغربيين، كانا يقضيان العطلة في مدينة السعيدية، ودخلا عن طريق الخطأ إلى المياه الإقليمية للجزائر، أثناء ممارسة رياضة التزلج على الماء.
كان الضحيتان ضمن مجموعة مكونة من 4 مواطنين مغاربة يحمل بعضهم الجنسية الفرنسية أيضا، انطلقوا من منتجع السعيدية، قرب الحدود الشرقية مع الجزائر، وتجاوزوا بالخطأ الحدود البحرية غير المرئية بين بلادهم والجارة الجزائر، وكانت المفاجأة إطلاق النار عليهم بدم بارد من قبل حرس السواحل الجزائري.
خلق الحادث استياء عميقا في الأوساط المغربية وكذا الإقليمية والدولية، واستنكر حقوقيون وسياسبون الفعل الجزائري الخالي من أي روح إنسانية وأخلاقية. وانطلقت الادانات حتى من داخل الجزائر على لسان مواطنين لا يرون في تصرف نظام بلادهم إلا ما يؤكد طبيعته الدموية، مستدلين بالعشرية السوداء، التي قتل فيها النظام عشرات الآلاف من المواطنين.
بالنسبة للذين يتساءلون عن مشروعية الفعل الجزائري من جانب القانون الدولي، فالنظام الجزائري الذي يتحجج بحقه في استعمال السلاح لحماية سيادته ضمن حدوده. ارتكب خطأ متعمدا لأنه استخدم السلاح ضد مدنيين عزل في مكان لا يصنف منطقة قتال. وهذا ما جعل المغرب يرى بأن الخيار القضائي هو الأنسب للرد على التصرف الارعن للنظام الحزائري.
علاوة على ذلك، إن القانون الدولي يميز بين الحدين الأقصى والأدنى في استعمال الدولة حق الدفاع عن أمنها بين المناطق البرية والبحرية والجوية. وكلما كان هذا الحق مقيدا بشروط في المنطقتين البرية والجوية، إلا أنه أكثر تقييدا في المناطق البحرية، لأن في القانون البحري الدولي يعتبر كل من يركب البحر هو في احتمال الضياع أو الغرق ويفترص التعامل معه سلميا حتى يثبت أنه مصدر خطر.
بناء على ذلك، تحترس الدول التي تحترم القانون البحري الدولي، وتلتزم بالحد الأدنى من الأخلاق من التعرض للاشخاص المدنيين الأجانب الذين يقتربون من سواحلها، ولم يسجل أي حادث إطلاق نار على مدنيين اقتحموا سواحل دول أخرى، بل يحمل القانون البحري الدولي المسؤولية للدولة في حال عدم تقديم النجدة للأشخاص في عرض سواحلها.
هناك آلاف المواطنين من الجزائر والمغرب وتونس ومن دول جنوب الصحراء يقتحمون، سنويا السواحل الإسبانية والإيطالية واليونانية، ولم يجر إطلاق النار عليهم. فضلا عن ذلك سبق لمواطنين جزائريين اخترقوا الحدود البحرية والبرية المغربية، وتم التعامل معهم بأفضل الأساليب وبكل إنسانية، وتظل شهادة صيادين جزائرين تاه قاربهم داخل المياه الإقليمية للمغرب مسجلة في الدفتر الذهبي للضيافة المغربية بمداد الفخر والاعتزاز.
يحاول بعض الجزائريين تبرير التصرف الدموي الذي قامت به سلطات بلادهم، بالعودة إلى حادث القصف الذي تعرض له شاحنتين جزائريتين من قبل قوات الدفاع الجوي المغربية قبل نحو عامين. ولكن لا قياس مع وجود الفارق، فالعملية في الحالة المغربية تمت في منطقة قتال تخضع لمراقبة بعثة الأمم المتحدة المينورسو، وهي اصلا ليست منطقة حدودية مع الجزائر ، ولكن تقع داخل التراب المغربي مع الحدود الموريتانية.
وكان تقرير بعثة المينورسو، خلص إلى أن الشاحنتان كانتا مركونتان الواحدة إلى جانب الأخرى، في منطقة لا تصنف ممرا للسير أو العبور، مما رفع منسوب الشك بأن النظام الجزائري في خطته التصعيدية ضد المغرب، كان أعد مشجب الشاحنتان ليعلق عليها معطف الحرب.
الآن، وفي الحالة الجزائرية، يبدو واضحا أن النظام العسكري أعطى عن سبق وإصرار تعليمات ا لحرس حدود السواحل بإطلاق النار على أي مغربي يدخل ولو بالخطأ إلى المياه الإقليمية للجزائر.، وهو تصرف أقل ما يمكن أن يفعله نظام يشعر بأنه عالق بين الفشل في تدبير الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري، وبين الفشل الذريع في السياسة الخارجية، التي طالما رفع لها شعار “الجزائر قوة ضاربة”.
يشكل مقتل الشباب المغاربة على يد حرس السواحل الجزائري بدم بارد في عرض البحر، رسالة قوية من النظام الجزائري أنه يبحث عن مواجهة عسكرية مع المغرب بأي ثمن. وذلك بعدما خسر كل أوراقه السياسية، حرقها في موسمو وبكين، وتلقى التحذير في واشنطن، وحصد الخيبة في جوهنسبوغ برفض “القوة الضاربة” في مجموعة بريكس، بينما تم قبول مصر وإثيوبيا إلى جانب السعودية والإمارات والارجنتين وايران.
وسط الانتكاسات التي تشعر بها الخلية العسكرية المدبرة للنظام في الجزائر، والتي تبني كل رهانات الدولة الجزائرية على كسر ظهر المفرب، وتصوره عدوها الرئيسي، لم تسجل ضده أي انتصار، فهو انتصر عسكريا في حرب الصحراء، وعزز مواقفه سياسيا باعترافات دولية وازنة، وتفوق عليها اقتصاديا بشراكات استراتيجية مع دول كبرى، وحصل على الدعم العربي الشامل، وصارت له مكانة مؤثرة في إفريقيا.
في المقابل، تشعر الخلية العسكرية التي يقودها سعيد شنقريحة ومعه طغمة من جنرالات العدس والفاصوليا والحمص والسكر والزيت والدقيق (للأحاطة علما تتم عملية استيراد المواد الغذائية في الجزائر على يد جنرالات الجيش)، تشعر هذه الخلية بقرب الحبل من عنقها، ويرهبها لضغط الخارجي، وليس صدفة ان يتم تحريك الدعوى القضائية ضد العسكري الدموي خالد نزار في هذا التوقيت بالذات في سويسرا، وليس صدفة كذلك أن يكلف مسؤول أمريكي نفسه عناء التنقل إلى تندوف و يقول لزعيم البوليساريو، “كونوا واقعيين وفكروا في الحلول السياسية”. وتم ذلك بالتزامن أيضا، مع التعامل مع أهداف عسكرية بالقضاء على أربعة قياديين في جبهة البوليساريو في قصف جوي مفربي، كانوا في حالة تسلل داخل المنطقة العازلة.
ختاما، يبدو أن الولايات المتحدة عندما قررت فتح خط مباشر مع البوليساريو، فلأنها تعلم أن النظام العسكري الجزائري لا يريد أن يستقل تفكير البوليساريو عنه، ربما تكون الرسالة وصلت إلى تندوف ولكن ليس هناك ما يضمن أنه تم استيعابها، فجهاز العسكر الحاكم في الجزائر يريد مزيدا.من الدم في البر والبحر. لم تكفيه سلسلة الهزائم التي تصفعه وطنيا وإقليميا ودوليا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.