بعد 6 أشهر من الركود.. الحكومة المغربية الجديدة تعكس قوة القصر الملكي
بعد 6 أشهر من الجمود والركود، عيّن الملك المغربي محمد السادس، يوم الأربعاء الماضي حكومة جديدة مكونة من 6 تشكيلات. وفي هذه الحكومة الجديدة، بدا من الواضح أن أعضاء حزب العدالة والتنمية المغربي، قد فقدوا وزنهم وثقلهم الذي ظفروا به بعد أن فازوا في الانتخابات التشريعية الماضية.
وتتكون هذه الحكومة من 39 حقيبة؛ من بينها 20 وزيراً، وستة وزراء منتدبين، و13 كاتب دولة. وعلى الرغم من أن رئاسة الحكومة تبقى من نصيب الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، إلا أن أهم الحقائب الوزارية لم تكن من نصيب أي عضو من أعضاء حزب العدالة والتنمية، وفقاً لما ذكرت صحيفة el pais الإسبانية.
وفي هذه التشكيلة، لا زال رجل الأعمال والصديق المقرب من الملك، عزيز أخنوش، يحكم قبضته على وزارة الزراعة. وقد أضاف رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أخنوش، إلى وزارته ميزات أخرى لتشمل “الصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات”.
ومنذ هذه الإضافة أصبحت المجالات الآنف ذكرها، تكتسي أهمية كبيرة في مشاريع البنية التحتية الكبيرة التي من المتوقع إنجازها في المستقبل.
والجدير بالذكر أن حزب أخنوش الذي فاز بالمركز الرابع خلال الانتخابات التشريعية، وتحصل بذلك على 37 مقعداً من بين 395 مقعداً متاحاً في البرلمان المغربي؛ أصبح يسيطر أيضاً على وزارة الصناعة. ومن الوزارات الأخرى التي أصبحت تحت سيطرة حزب أخنوش، نذكر وزارة الاقتصاد والمالية.
وفي هذا الصدد، كتب الموقع الرقمي المغربي، لوديسك، في افتتاحيته، أن “القصر الملكي عمد إلى تقليص دور الإسلاميين “الزائد” والثانوي”. كما ورد في هذا التقرير أن “هذه الحكومة أثبتت، من خلال تحركاتها التي لم تبررها أو تعتذر عنها، أن الانتخابات في المغرب ليست لها إضافة كبيرة ولا تفي بالغرض. وتترجم هذه التحركات بأنه مهما كلف الثمن فإن ما يقرره القصر الملكي، سواء كان صواباً أو خطأً، هو الذي يجب أن ينتصر”.
وعموماً، بالنسبة لموقع “لوديسك” فإنه بهذه الطريقة سيغلق القوس الذي افتتح خلال بداية ثورات الربيع العربي، إذ بدا المغرب على إثرها أنه في طريقه إلى “الانفتاح”.
من جهة أخرى، تبقى كل من وزارات الداخلية، والخارجية، والشؤون الدينية، من نصيب التكنوقراط، الذي تميز بولائه للمبادئ التوجيهية التي يمليها القصر الملكي. أما منصب وزارة التربية والتعليم فقد تولاه وزير الداخلية السابق محمد حصاد، الذي لم يكن مسؤولاً إلا أمام الملك.
كما أصبح عبدالوافي لفتيت، وزير الداخلية الجديد؛ بعد أن كان والياً لمدينة الرباط. ويعرف هذا الشخص الأخير بعلاقته المتوترة جداً مع إسلاميي حزب العدالة والتنمية.
من جانب آخر، كان لنساء المغرب نصيب في وزارة واحدة، وهي وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية. كما تصدرت المرأة المغربية في الحكومة الجديدة ثمانية مناصب في “كتابة الدولة”.
من جهة أخرى، أعلن ملك المغرب، محمد السادس، في حوار له خلال الأشهر الماضية، أنه “ملك كل المغربيين، بمن في ذلك الذين لم ينتخبوه”. وقد أراد أن يرسل رسالة من خلال هذا الخطاب، مفادها أن “له موقف محايد، وهو الحكمُ بين جميع التشكيلات”. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الجديدة أبرزت العكس، إذ إن الحقائب الأكثر أهمية أصبحت في قبضة السياسيين الموالين لعقيدة ومبادئ القصر الملكي.
في الإجمال، فقد امتد نفوذ وتأثير القصر الملكي ليطال الجهات المعارضة. ومن بين الأحزاب المعارضة التي لم يكن تشكيل الحكومة الجديدة في صالحها؛ نذكر حزب الأصالة والمعاصرة، الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية السابقة.
وعلى إثر تلك الانتخابات التي رميت نتائجها في القمامة، حاز هذا الحزب المعارض على 102 مقعد في البرلمان المغربي. وقد أسس هذا الحزب صديق الملك المقرب منه، فؤاد عالي الهمة، ومستشاره الحالي.
خيبة أمل كبيرة
في هذا السياق، قال محلل فضّل عدم الكشف عن هويته إنه “على إثر تشكيل الحكومة الأخيرة، أصيب قادة حزب العدالة والتنمية بخيبة أمل كبيرة. لقد وصلتهم أوامر ترغمهم على التزام الصمت. وعلى الرغم من ذلك، لا يخفى على الجميع أن حزب العدالة والتنمية قد تلقى ضربة من العيار الثقيل على إثر هذا التعيين، وهو على وعي بذلك”.
من جهته، صرّح فؤاد عبدالمومني، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، وهي فرع منظمة الشفافية الدولية بالمغرب، لهذه الصحيفة بصفة شخصية وليس باعتباره ممثلاً عن المؤسسة التي يرأسها، أن “هذه الحكومة هي شكل من أشكال التعبير على السيطرة المطلقة للملك، على المؤسسات والطبقة السياسية”.
وأضاف عبدالمومني أن “هذا التكوين هو أيضاً مثال واضح على عدم وجود مؤسسة حكومية متماسكة ومستقلة. كما يبرهن على عدم استناد الحكومة الجديدة إلى الشرعية الشعبية، أو اعتمادها على برامج واضحة، أو قيادتها من قبل وزراء مسؤولين عن أفعالهم”.
وفي نفس السياق، أورد عبدالمومني أنه “يبدو أن الهدف الرئيسي لهذه الحكومة هو تجريد الأحزاب والانتخابات من مصداقيتها. وستضمن بهذه الطريقة المحافظة على التعتيم في الحكم”. علاوة على ذلك، يتوقع عبدالمومني أيضاً أنه في السنوات القليلة المقبلة ستتولد “توترات اقتصادية واجتماعية حادة”، في المغرب.
في المقابل، هناك من يتوقعون العكس تماماً. ومن بين هؤلاء المعارضين للنظرية السابق ذكرها، ديفيد غووري، أستاذ العلوم السياسية الفرنسي والعامل بمنظمة طفرة المغربية. ويعتبر غووري أن خطاب ملك المغرب الذي أكد فيه سيطرة القصر الملكي على السياسة، هو بمثابة الذريعة لتبرير ضعف هياكل الحزب.
وفي هذا السياق، أشار غووري إلى أنه “لا يجب أن ننسى أن حزب العدالة والتنمية، انتخب من قبل 1.6 مليون ناخب فقط. كما أن هذا الرقم يمثل نسبة 6.6% من المغربيين الذين هم في سن الانتخاب. وعلاوة على ذلك، فإن فوز الحزب في المدن الكبرى جاء بالتوازي مع امتناع قياسي عن التصويت في الانتخابات، في المدن”.
ومع ذلك، يعترف غووري أن تشكيل الحكومة الجديدة ألقى بحزب العدالة والتنمية خارج السياسات العامة الرئيسية. وأوضح أن “هذا الوضع سيسمح للحزب الإسلامي أن يظهر في صورة ضحية تسلط القصر الملكي. وبهذه الطريقة، سيحافظ الحزب على خطابه المعارض بينما يتواجد في صلب الحكومة”.
وفي الختام، بيّن غووري أنه “لا يجب أن لا ننسى أن الإسلاميين يحملون مشروعاً غير قابل للتنفيذ إلا على المدى البعيد. وقد حصل نفس الشيء مع إسلاميي تونس ومصر. وعموماً، فإن مثل هذه الأحزاب لا تملك برنامجاً للنهوض بالاقتصاد والزراعة؛ إنما تسعى إلى إحداث تغيير جذري في المجتمعات وذلك عبر تعديل الأخلاق وسلوك الأفراد”.