حوار اجتماعي بارد بمخرجات باردة وغير مقنعة ؟؟؟!!!
شؤون الإستثمار
هراوي نورالدين
قبل أيام قليلة من فاتح ماي، العيد العمالي الذي تُرفع فيه شعارات “الطبقة الشغيلة” وتُجدَّد فيه المطالب الاجتماعية، يحاول رئيس الحكومة عزيز أخنوش إخراج الحوار الاجتماعي من غرفة الإنعاش بلقاءات متفرقة مع النقابات الأكثر تمثيلية.
لكن هذه المناورة، التي تُقدَّم في ثوب “استئناف الحوار”، تبدو في جوهرها محاولة استباقية لامتصاص غضب اجتماعي متصاعد، أكثر منها تعبيرًا عن إرادة سياسية صادقة للإنصات والتجاوب مع المطالب العمالية. الى ان يمر شهر المطالب بخير وبسلام.
اللقاءات التي عقدت مع الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والكنفدرالية الديمقراطية للشغل، لم تُسفر عن أي مؤشرات ملموسة على تقدم تفاوضي. بل إن أغلب المركزيات العمالية خرجت ببيانات وبلاغات تتحدث عن “غياب الجدية”، و”ضبابية في العرض الحكومي”، ما يؤكد أن الحكومة لم تحمل جديدًا سوى محاولتها حفظ ماء الوجه عشية عيد الشغل.
وبلغة نفس المصادر النقابية والتي أكد بعضها، أن أكثر ما يعمق فجوة الثقة ويغذي حالة الانسداد هو مضي الحكومة في تمرير مشروع قانون الإضراب المثير للجدل، في تجاهل تام للاعتراضات النقابية الواسعة التي ترى فيه محاولة لتجريد العمال من أحد أهم أدواتهم النضالية.
وفي هذا الصدد ، قال احد الفاعلين النقابيين بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل حسب ماتداولته مواقع إخبارية أن :
“الحكومة تُدير الحوار بمنطق العلاقات العامة، لا بمنطق التفاوض الجدي. وتقدم وعود مرتبطة بزيادات في الأجور بالتزامن مع تمرير قانون يقيد الحق في الإضراب مما يُظهر أن الهدف الحقيقي ليس الإصغاء، بل الالتفاف”.
وأضاف نفس الاطار النقابي ان“المنهجية الحكومية الحالية تفتقد للبعد التشاركي، وتبدو مصممة على فرض تصورها الأحادي حتى ولو أدى ذلك إلى كلفة اجتماعية مرتفعة”. وتابع المتحدث ذاته، معتبراً “أن ما يجري هو “حوار لالتقاط الصور، لا مخرجات له”، مضيفًا “أخنوش يبحث عن تهدئة إعلامية فقط. أما على طاولة الحوار، فلا توجد سوى مقترحات قديمة مغلفة بكلمات جديدة”.
وفي نفس الموضوع. قال بعض المتتبعين والمحللين “الحديث عن زيادات في الأجور يجب أن يوضع في سياقه الحقيقي، هل هي زيادات تعكس تحسنًا في القدرة الشرائية؟ أم مجرد ترقيعات لا تغطي حتى نسبة التضخم؟”، مشدّدًا على أن “أي اتفاق اجتماعي يفقد وزنه عندما يُجرّد العمال من حقهم في الاحتجاج”.
وقد أجمعت المصادر النقابية من خلال مايروج له،على أن “تمرير قانون الإضراب في الظرفية الحالية يُعد خطأ استراتيجياً”، مشيرة إلى أن “النقابات ترى في ذلك خرقًا لروح الفصل 8 من الدستور، الذي يضمن حرية التنظيم النقابي والإضراب كحق دستوري، وهو ما يجعل الثقة بين الطرفين في أدنى مستوياتها”.
كما ان المفارقة التي تثير حفيظة الفاعلين الاجتماعيي على حد تعبيرهم ، أن حكومة أخنوش تروّج لزيادات جديدة في الأجور وتحسينات على المستوى الضريبي والاجتماعي، في الوقت الذي تعاني فيه القدرة الشرائية للمواطنين من ضغوط غير مسبوقة بسبب ارتفاع الأسعار وتجميد الأجور منذ سنوات.
فكيف إذا يمكن الحديث عن “عرض حكومي سخي”، كما تسوّق له بعض الأوساط المقربة من الحكومة، في ظل استمرار سياسة الصمت تجاه ملفات حساسة مثل إصلاح أنظمة التقاعد، ومراجعة مدونة الشغل، وحماية الحريات النقابية؟ وماخفي أعظم؟؟؟؟؟
الواضح أن الحكومة تسعى إلى كسب الوقت وتهدئة الأوضاع الاجتماعية في هذه المرحلة بالذات، التي تتزامن مع دخول سياسي واقتصادي متوتر، وتحديات اجتماعية متراكمة.
لكن هذه المناورة، مهما لبست من لبوس الحوار، لن تخفي واقعًا مقلقًا يتمثل في غياب الإرادة السياسية لمعالجة الملفات الكبرى بمنطق شراكة حقيقية، وليس بمنطق “تدبير الأزمة”.
وبينما تستعد الشغيلة المغربية للخروج إلى الشارع يوم فاتح ماي، حاملة معها شعارات الغضب والإحباط، يضيف المصدر النقابي، يبدو أن الحكومة اختارت العزف منفردة خارج جوقة التوافق، مفضلة الحوار مع نفسها على حساب السلم الاجتماعي.