ورقة عمل المؤتمر الدولي حول ما بعد “داعش”..التحديات المستقبلية

شهدت العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين طفرة جديدة في مسارات وتحولات الايديولوجيات القاتلة، همّ جزء منها الحركات المسماة “جهادية”، والتي تمخّض عنها إعلان قيام ما سمّي ب “تنظيم الدولة الإسلامية” المعروف اختصاراً بتنظيم “داعش”، مع ما رافق ذلك من عمليات وحشية أُزهقت خلالها الأرواح وسُفكت الدماء في سلسلة من الاعتداءات الهمجية التي كان بعضها استنساخاً لجرائم تنظيم القاعدة وخلاياه في أوروبا والعالم العربي وغيرهما.

وبخلاف أداء ومراحل تنظيم “القاعدة”، تميّزت مرحلة تنظيم “داعش” بالإعلان عن تأسيس ما اعتبرَته “دولة الخلافة”، وهو الحدث الذي تسبّب في بروز خلافات بين شتى فصائل الحركات الإسلامية، الدعوية والسياسية و”الجهادية”، حول مشروعية الإعلان عن “دولة الخلافة” وشروطها ومقتضياتها. كما تسبّب أيضاً، في استقطاب الآلاف من الشباب “الجهادي” أو المتأثر بالخطاب والأدبيات “الجهادية”.

وبعد ثلاث سنوات ونيف من إعلان أبو بكر البغدادي عن إقامة “الدولة الإسلامية”، في التاسع والعشرين من يونيو 2014، بات جليا أن “دولة” التنظيم في طريقها إلى الأفول، بفعل الهزائم العسكرية المتوالية التي تكبّدها في كل من العراق وسورية.

وبينما انشغلت مراكز الدراسات والأبحاث العربية والدولية بواقع التنظيم، واستراتيجيات الاستقطاب وتفاعلات القوى الإقليمية والدولية، لم يتم الانتباه إلى مقتضى مرحلة ما بعد اندحاره العسكري في معاقله الرئيسية، من منطلق أن فظاعة الجرائم التي ارتكبها التنظيم، وتوسّع دائرة نفوذه، واستقطابه للآلاف من الشباب المغرّر به من البلدان العربية والغربية وغيرها؛ حالت دون الاشتغال النظري على الاحتمالات المرتبطة بمرحلة ما بعد القضاء على “دولته”، بما في ذلك التفكير في مصير الظاهرة المسماة “جهادية”، سواء تعلّق الأمر بتنظيم “داعش”، أو تنظيم “القاعدة”، أو باقي التنظيمات التي تعتبر نفسها “جهادية”؛ أو الاشتغال على مصير العدد الكبير من أعضاء التنظيم الذين اكتسبوا تجارب ميدانية في القتل والقتال والانقتال وتنفيذ مختلف صنوف العمليات الإرهابية، انطلاقاً من نهلهم النظري من أدبيات الخطاب “الجهادي”، وموازاة مع انخراطهم في الحرب الميدانية.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار عدد هؤلاء، والذي يناهز حوالي 5 آلاف شخص منحدر من الدول الأوروبية، وما يفوق 6 آلاف شاب منحدر من منطقة شمال إفريقيا على سبيل المثال، فإن انهيار “دولة” التنظيم الإرهابي يجعل التخوّف سائداً من عودة الذين ما زالوا منهم على قيد الحياة، إلى بلدانهم في العالم العربي والدول الغربية وغيرها. وهكذا، فإن قائمة الأسئلة تزداد أرقاً وتعقيداً، بخاصة وأن الدول الأوروبية والعربية طالتها اعتداءات صادرة عن عناصر “جهادية” تُصنّف في خانة “الذئاب المنفردة” أو “الخلايا العنقودية”، التي لم يحط أعضاؤها الرحال في سوريا أو في العراق، ولم يتورّعوا مع ذلك عن شنّ اعتداءات إرهابية في دول مثل فرنسا، إسبانيا، بلجيكا، بريطانيا وألمانيا. وهو ما يعني أن الخطر قد يغدو داهماً بعد عودة الدواعش من بؤر الصراع التي قاتل فيها “تنظيم الدولة”.

في هذا السياق إذن، يأتي هذا المؤتمر الدولي الذي تعقده مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بتعاون مع معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا ، والذي تحتضنه مدينة مراكش بالمغرب، يومي 6-7 أبريل 2018، للاشتغال البحثي الجماعي على قراءة الظاهرة “الجهادية”، مع محاولة تقديم قراءات استشرافية لها في مرحلة “ما بعد داعش”، ولتهديداتها المحدقة بالعالم العربي وغيره من العوالم.

ويروم هذا المؤتمر التفكير الجماعي والنوعي في مقتضيات هذه المرحلة، وذلك من خلال استشراف الحالة “الجهادية” في مرحلة ما بعد الاندحار الميداني لتنظيم “داعش”، والذي لم يرافقه لحدّ الساعة اندحار أيديولوجي في أذهان أتباعه، ناهيك عن خطورة تفرّعاته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

ومن أجل مقاربة موضوعية استشرافية لهذا الموضوع، يسعى المؤتمر إلى تلمّس إجابات عن أسئلة مُلحّة من قبيل:

ما هو مستقبل الظاهرة “الجهادية” في مرحلة ما بعض القضاء الميداني على تنظيم “داعش” أو نهاية “دولته”؟ وهل كانت فكرة “الدولة” التي أقامها في هذه المرحلة غاية بحد ذاتها، أم هي حلقة مرحلية ضمن استراتيجية أوسع لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار العالمي للتنظيم وأيديولوجيته؟ وما هي الإستراتيجيات المرتقبة للتنظيمات “الجهادية”، بخاصة في البلدان العربية والدول الأوروبية؟ وما مصير “الدواعش”، في مرحلة ما بعد تنظيم “داعش”؟ وهل ثمّة سياسات ناجحة أو مثالية في سياق التعامل مع من يصطلح عليهم “المقاتلين الأجانب” العائدين إلى بلدانهم؟ وما هي القواسم المشتركة أو الفوارق في تعامل الدول العربية والأوروبية مع العائدين؟ وكيف يمكن للدول العربية والإسلامية والأوروبية، أن تفرّق في قوائم هؤلاء العائدين، بين “الجهاديين التائبين” الذين اصطدموا بواقع أعقد من ما كان في تصوّراتهم الذهنية، ويرغبون في طي صفحة “التجربة الجهادية”، وبين العائدين الذين ما زالوا مقتنعين ومتشبّثين بما يتوهّمونه خياراً جهادياً؟

ما هي الجوامع والفوارق بين تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”، وهل هناك احتمال ظهور نماذج جديدة من العمل “الجهادي”، تتجاوز سقف تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”؟ وما هي المُحدّدات المؤثرة بشكل مباشر أو نسبي، في اعتناق الفاعل” الإسلامي” الدعوي أو السياسي، الخطاب “الجهادي”؟ وكيف يمكن قراءة بيانات أعداد الملتحقين بداعش من الدول العربية والغربية، ونسبتهم إلى عدد المسلمين في الدولة التي أتوا منها، وطبيعة النظام السياسي لهذه الدول (ديموقراطي – غير ديموقراطي) ومؤشرات التنمية الاقتصادية، والتطور في مجالات حقوق الإنسان والحريات، وأوضاع المسلمين في دول غير ذات غالبية مسلمة (الأقليات)، وكذلك الخلفيات التعليمية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للملتحقين بالتنظيم، والعتبات التي مروا بها، وذلك بهدف الكشف عن الأسباب والظروف الدافعة أو المحفزة التي دفعت هؤلاء الشباب للانضمام إلى التنظيم، ومن ثم تحديد الإستراتيجيات لمكافحة الفكر “الجهادي” المتطرف، وتجفيف منابعه.

كيف يُقيَّم أداء المؤسسات الثقافية والدينية والمراكز البحثية العربية، في التفاعل النظري النقدي مع المُحدّدات الدينية والايديولوجية والثقافية والاجتماعية والسياسية للظاهرة “الجهادية”، في نسختها “الداعشية”؟ وما هو دور وتأثير خطاب باقي الفاعلين الإسلاميين (من حركات الإسلام السياسي، و”السلفية التقليدية”، والحركات الدعوية.. إلخ)، على خطاب الفاعل “الداعشي”؟ وهل ثمة فوارق جلية بينها، أم أن ثمّة تقاطعات بين خطاباتها وتصوّراتها؟ وهل يمكن توظيف الخطاب الإسلامي الحركي غير “الجهادي” في سياق مواجهة نظيره “الجهادي”، أم ثمّة عوائق نظرية وفكرية وفكرانية تَحُول دون ذلك؟

كيف تؤثر السياسات الأمنية والإستراتيجية لصناع القرار الدولي والإقليمي في أداء وتفاعل الظاهرة “الجهادية”، كما هو الحال مع الظاهرة “الداعشية”، منذ اندلاع أحداث “الثورة السورية” حتى تاريخ القضاء الميداني على تنظيم “داعش”؟ وهل كانت الإستراتيجية الرئيسة المعتمدة في مكافحة داعش (الإستراتيجية العسكرية) موفقة، أم أنها ستؤدي إلى ظهور جماعات أكثر تطرفاً وعنفاً، لاسيما وأن التنظيم لا يشتغل اعتماداً على إدارة مركزية ولايشتغل بالطريقة الهرمية، وباعتبار المعطيات التي كشفت أن العديد من العمليات الإرهابية التي قام بها من يطلق عليهم “الذئاب المنفردة” وتبنّاها تنظيم داعش؛ لم يكن لها ارتباط تنظيمي مباشر بداعش.

هل يمكن الحيلولة دون تحوّل الانترنيت إلى فضاء لنشر التطرف والتطرف العنيف؟ وكيف يمكن التقليل من خطورة استغلال الوسائل الرقمية ووسائط التواصل الجماهيري من طرف التنظيمات الإرهابية، وذلك بالنظر إلى طبيعة التنظيم وإدارة عملياته، ووجود جيل من المتطرفين متأثر بأفكار التنظيم وأدبياته، وفي ظل سهولة انتشار ونقل أيديولوجيته ورسائله من خلال الفضاء الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي، والأداء العالي والاحترافي الذي أبداه التنظيم في تعامله مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقدراته على التحشيد والتجنيد.

ما هي السبل الكفيلة بالحيلولة دون تحويل السجون إلى فضاءات لانتشار الأيديولوجيا “الجهادية”؟ وكيف يمكن الاستفادة في هذا الإطار من تاريخ انتشار الفكر السياسي المتطرف في علاقته بتجارب السجون؟ وما هي أهم السياسات المُتبعة في الدول العربية والإسلامية والأوروبية في التعامل مع الخطر “الجهادي”؟ وهل ثمة نتائج أو مكاسب إيجابية، تُحسب لبعض أو إحدى التجارب في المنطقة، بخصوص التفاعل الأنسب مع الخطر “الجهادي”؟ وما هي المقاربة الأمثل لمواجهة التطرف والتطرف العنيف؟ وكيف يمكن الاستفادة المشتركة من التجارب الناجحة في مواجهته من أجل الحيلولة دون تشكّل طفرات جديدة من الإرهاب والتطرف العنيف؟

معلومات عن المؤتمر:

  • عنوان المؤتمر: ” ما بعد داعش: التحديات المستقبلية في مواجهة التطرف والتطرف العنيف”
  • المكان: مراكش-المغرب
  • التاريخ: 6-7 أبريل 2018.
  • المشاركون: أكاديميون وخبراء وباحثون مختصون من العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
  • المؤسسات المنظمة:

– مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط-المغرب

– معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا، غرناطة- إسبانيا

  • لغات العمل: العربية، الانجليزية والفرنسية.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.