� خواطر الأحد
شؤون الإستثمار
في بيوت كثيرة، يجلس أب وأم كل مساء يتأملان مستقبل أبنائهما. تعبوا وكافحوا، ادخروا من عرق الجبين، ليروا الشاب أو الشابة واقفًا على قدميه، يحمل شهادة، ويمد يده إلى الحياة بكرامة. الحلم بسيط: مقاولة جد صغيرة، مشروع متواضع يفتح باب الرزق، لا أكثر ولا أقل.
لكن حين يصل الحلم إلى أبواب الأبناك، يكتشف أنه يصطدم بجدار عالٍ من الشروط والضمانات. وحين تتعثر الخطوة الأولى، لا يجد الشاب من يواكبه، بل من يجره إلى المحاكم.
المقاولة جد الصغيرة… كرامة مؤجلة أمام سلطة الأبناك
ليست القضية مجرد أرقام وتقارير، بل حكاية آلاف الأسر المغربية المتوسطة وقليلة الدخل. أسر ضحّت بوقتها ومالها لتعليم أبنائها، على أمل أن يصبح الشاب أو الشابة المتعلم(ة) جزءًا من النسيج الاقتصادي الوطني، لا عبئًا على العائلة والمجتمع. لكن حين يطرق هؤلاء الشباب والشابات أبواب البنوك لإنشاء مقاولة جد صغيرة، يكتشفون أن التضحية لم تكن كافية، لأن السياسات العمومية خصمت من معادلتها أبناء الأسر التي لا تملك ضمانات، وتركتهم في مواجهة شروط قاسية ومساطر معقدة. وكل البرامج التي أطلقتها الدولة، من “انطلاقة” إلى “المقاول الذاتي”، صارت مشاكلها تُذكر على كل لسان.
الأرقام المتوفرة تقول إن المقاولات جد الصغيرة لم تحصل سوى على 22٪ من مجموع القروض سنة 2023، وأن نسبة التعثر بلغت حوالي 9٪. لكن مع تحفظ أساسي: هذه الأرقام لا تعكس حقيقة الرفض المسبق لطلبات التمويل، ولا حجم الشباب والشابات الذين لم يُسمح لهم أصلًا بخوض التجربة. الواقع على الأرض أكثر قسوة مما تصرح به البيانات الرسمية.
في المقابل، مؤسسة تمويلكم، وهي مؤسسة عمومية تحت إشراف وزارة المالية، مساهمها الوحيد هو الدولة المغربية أي المال العام، تضمن ما يصل إلى 80٪ من القروض. بمعنى أن دافعي الضرائب هم من يتحملون الخطر، بينما الأبناك تواصل التذرع بحماية ودائع الزبناء وتفرض شروطها التعجيزية. وهكذا تتحول من شريك يفترض أن يدعم التنمية إلى سلطة مالية تعرقلها وتفرمل طموحات الشباب والشابات.
المفروض أن تكون المعادلة عكسية: الدولة تمنح الضمان القبلي الذي يفتح باب التمويل بثقة، مع مساهمة صناديق مخاطرة بـ10٪، والبنوك بنسبة بين 10 و30٪. عندها فقط يمكن أن نتحدث عن عدالة مقاولتية، حيث تتوزع المخاطر بعدل بين الدولة والبنك والمقاول، ويُمنح الشاب أو الشابة فرصة حقيقية للنجاح بدل أن يُتركا فريسة للفشل.
المقاولة جد الصغيرة ليست مجرد مشروع اقتصادي متواضع، بل هي بذرة خضراء قادرة على أن تنبت الكرامة لآلاف الأسر المغربية. وكل إصلاح لا يجعل من هذه البذرة تنمو وتثمر، سيظل ناقصًا وعاجزًا عن تلبية انتظارات المجتمع.
???? تعريف بمؤسسة “تمويلكم”
• “تمويلكم” هي شركة مساهمة عمومية مملوكة للدولة المغربية، وليست مؤسسة خيرية، بل كيان ذو طبيعة تجارية.
• تهدف إلى تمكين المقاولات المغربية، خاصة الصغيرة جدًا، من الولوج إلى التمويل والضمانات الضرورية لدعم نموها واستمراريتها.
• المساهم الرئيسي في رأسمالها هو الدولة المغربية، وتعمل المؤسسة في شراكة مع البنوك ومؤسسات القطاع المالي.
✍️ بقلم: سيدي محمد العايدي الإدريسي
محلل سياسي، وخبير في الاستثمار المجالي

